المواكبة الإعلاميّة
الصباح 14-03-2023
Le Temps 14-03-2023
الشارع المغاربي 14-03-2023
الملخّص
تعرف الأنثروبولوجيا على أنها دراسة الثقافات المختلفة في علاقاتها بالمجتمعات الإنسانية. ويمكن القول إن الباحثين في مجال الأنثروبولوجيا يسعون إلى فهم التنوع الذي يميز الثقافات الإنسانية، وهم يعتمدون في ذلك على الدراسة المعمقة للمجتمعات والثقافات واستكشاف المبادئ والأسس الكبرى التي ترتكز عليها الحياة الاجتماعية والثقافية. والأنثروبولوجيا القانونية (كمعارف غربية بالأساس) تقدم مساهمتها في التفكير بخصوص الأنساق القانونية في المجتمعات الغربية، وكذلك في المجتمعات “التقليدية” وتلك التي توصف “بالبدائية” … وهي قد تطورت خاصة في الفضاء الانقلوسكسوني غير أن هناك عديد الإسهامات الفرنسية وغيرها … وقد عرفت كل المجتمعات أنماطا من الرقابة ومن الضبط الاجتماعي والتي يتم وسمها بكونها “قانونية” غير أنها لا توليها نفس الأهمية. إنّ نظرة المجتمعات “التقليدية” للظواهر القانونية يمكن أن تكون مفيدة جدا لمقاربة المجتمعات المعاصرة. وأهمية الأنثروبولوجيا القانونية تكمن كذلك في كونها تنشئ جسورا بين معارف الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية وكذلك مكتسبات الحقوق والعلوم القانونية…
ولكن لماذا الاهتمام بالثقافة ؟ وبالمجتمع ؟ وماذا عن مختلف السرديات حول نشأة الأنثروبولوجيا القانونية وتحولاتها وتوجهاتها ؟ ما علاقة المشافهة بالأنساق القانونية ؟وكيف نفهم المكانة القانونية ؟ و ما علاقتها بتطوير الآلة التشريعية ؟ هل أن القانون هو فقط معايير مجردة، أم يمكن دراسته كذلك في الظواهر الملموسة من خلال الملاحظة المباشرة ؟ كيف نفهم التحليل “المساري” (Analyse processuelle) والتحليل “المعياري” (Analyse normative) وهل من مقاربة تأليفية ؟ وكيف نفهم انتقال وتحويل ونقل القوانين من فضاء إلى آخر ؟ وماذا عن ما يمكن تسميته بـــ “حساسيّات قانونية / تشريعية” (Sensibilités légales)؟ وهل من روابط بين التفكير الأسطوري والقانون الوضعي ؟وماذا عن “التعدّدية القانونية”؟
إن اعتمادنا لمقاربة أنثروبولوجية يعني أننا نتبنى منظورا يجتهد في الوصف الدقيق للأنساق القانونية الخاصّة من أجل محاولة الاهتمام بالقانون في مجمله سواء أكان ذلك في الماضي أوالحاضر ودون الوقوع أيضا تحت أي نزعة “اثنومركزية”… وهذه المقاربة الانثروبولوجية القانونية لن تكون ممكنة في الحقيقة إلا إذا ما اتسع موضوع “القانوني” بما يكفي ليسمح بالانتباه لوجوده، مهما كانت خصائصه وملامحه الظاهرة، غير أن المقاربة في كل الأحوال يجب أن تكون دقيقة. والمقاربة الأنثروبولوجية تسمح بإعادة التفكير في خصوصية “القانون” ذلك أنها تفرض أحيانا التموقع داخل نسق من أجل فهم تداعياته واستتباعاته في أدق تفاصيلها وفي نفس الآن يجب النظر إليه كذلك من الخارج من أجل الانتباه لحدوده وإدراك الأحجام المختلفة وتمييز الخصائص العامة له.
إن المقاربة الانثروبولوجية للقانون تعني في النهاية وجهة نظر يتم تحديدها واستعمالها من أجل أن يتم العمل على استثمار كل المعطيات الممكنة دون الخشية من إمكانية أن يتم إعادة النظر أو التقاطع كذلك من اختصاصات أخرى مثل الانثروبولوجيا الاقتصادية وكذلك الانثروبولوجيا الدينية والانثروبولوجيا السياسية وغيرها … والتي يمكن لنا أن نتقاسم معها مجموعة من المقولات والمفاهيم والمناهج وفرضيات البحث والنتائج …