في إطار الأنشطة التكريميّة للرموز الفكريّة والعلميّة والإبداعيّة، نظّم المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” يوم الخميس 16 ديسمبر 2021 لقاء تكريميّا للراحل عبد الوهاب بوحديبة افتتحه الدكتور محمود بن رمضان رئيس المجمع مشيرا إلى أن هذا اللقاء كان من المفروض أن ينتظم خلال الأربعينيّة، لكن التدابير الصحيّة المرتبطة بالكوفيد 19حتّمت التأجيل. ومن الطبيعي أن يمثّل غياب بوحديبة فاجعة لأسرة البحث العلمي لأنّه فقيد المجمعيين والجامعيين وكافّة المهتمين بشؤون المعارف والعلوم.
وترأس الأستاذ عبد الوهاب بوحديبة بيت الحكمة بداية من سنة 1995 إلى غاية 2011 ثمّ استمرّ لاحقا باعتباره عضوا شرفيّا إلى حدّ يوم 17 ديسمبر 2020 حينما غادر الوجود بيولوجيا، لكنّه ظلّ حاضرا بفضل مسيرة علميّة ومسؤوليات لا تعترف بمواكب الجنازات، فكم هي عديدة جهوده البحثيّة ومسؤولياته الوطنيّة والعالميّة! كان عضوا في كثير من الأكاديميات والمؤسّسات التونسيّة والعربيّة والعالميّة، كما أشرف على عديد المراكز والمعاهد مثل مركز الدراسات والبحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة بتونس، إلى جانب اضطلاعه بمسؤوليات في منظّمات عربيّة وعالميّة مثل المنظّمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم والمجلس الإسلامي الأعلى ومنظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، وكان أستاذا زائرا في جامعات عالميّة على غرار المعهد الجامعي العالي للدراسات الدوليّة في جنيف. بوجيز العبارة تترجم كتاباته الحياد المعرفي، إذ لا “تؤثّر فيه الانتماءات الإيديولوجيّة المفضوحة أو المبطّنة” وفقا للنص التأبينيّ الوارد في الكتاب الصادر عن بيت الحكمة بمناسبة أربعينيّة الراحل حيث يبرز فيه الرئيس السابق للمجمع الدكتور عبد المجيد الشرفي تنوّع اهتمامات الفقيد، تلك التي تجمع بين الفلسفة والسوسيولوجيا والدراسات الدينيّة، ممّا مكّنه من إثراء البحوث الاجتماعيّة والإسلاميات في مؤلّفات غزيرة عالجت قضايا المحظور مثل الجنسانيّة في الإسلام – الغيرية في الإسلام – العلم والإيمان الخ…
وتناولت مؤلّفات بوحديبة قضايا حقوقيّة على غرار حق الطفل في التربية وحقوق الطفل في تونس، لذلك شدّدت جل النصوص والشهادات الواردة في الكتاب التكريمي لروح الفقيد على موسوعيّة الراحل، لاسيما في مجالات الفلسفة والدراسات السوسيولوجية والنفسية.
باختزال شديد يعدّ عبد الوهاب بوحديبة من مؤسّسي الدراسات الفلسفية في الجامعة التونسيّة، فهو حسب المشرفة على فعاليات اللقاء ورئيسة قسم العلوم الانسانيّة والاجتماعيّة بالمجمع الدكتورة منيرة شابوتو الرمادي Le premier agrégé tunisien المتخصّص في مادة الفلسفة منسجمة في ذلك مع مقاربة الدكتور فتحي التريكي القائل في الصفحة 28 من الكتاب “بوحديبة أوّل تونسي تحصّل على التبريز الفرنسي في الفلسفة” إنّه في نظره مؤسّس تيّار الفلسفة الاجتماعيّة والثقافيّة، ويحتوي الكتاب على عديد الشهادات الأخرى لأكاديميين وباحثين وزملاء عاشروه مؤكّدين في شهاداتهم على أن الراحل جسّد التكامل بين عمق المعرفة ونبل السلوك. لذلك يموت هؤلاء بيولوجيا وتتأبّد حياتهم عبر أعمالهم وقد نكون على صواب لو نقول تنطلق حياتهم الحقيقيّة يوم الوفاة إذ غالبا ما تزول مبرّرات الخصوم المهووسين بمحاربة الرموز.
النسخة الإلكترونيّة لكتاب عبد الوهاب بوحديبة 1932-2020
المواكبة الإعلاميّة