هل تضطلع مؤسساتنا التعليميّة بمهامها التربويّة وفقا لجديد البيداغوجيات؟ هل تتضمّن مناهجنا التعليميّة الروح العلميّة الداحضة لأشكال الشعوذة والتقبّل السلبي؟ ما هي الشروط المثلى للقطع مع الدغمائيّة؟
تلك هي الإشكاليات التي يعالجها الكتاب الجماعي الصادر مؤخّرا عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” تحت إشراف الأستاذة سعاد كمون شوك، عنوانه “تكوين الفكر العلمي والبيداغوجيات التجريبيّة”، ويتضمّن المؤلّف فعاليات ندوة وطنيّة نظّمها قسم العلوم الطبيعيّة والرياضيات بالمجمع يومي 11و12 أكتوبر 2018 .
يؤكّد الدكتور عبد المجيد الشرفي في افتتاحيّته على أهمية “الفكر الصارم الذي يدقّق في المعلومات ولا يكتفي بالعموميات أو حفظ القواعد” في العلوم المختلفة، فمظاهر التعصّب والدغمائيّة ناجمة برأي رئيس المجمع عن وعي خال من البعد النقدي واعتماد مناهج تربويّة غير مواكبة للمسارات العلميّة، مذكّرا بنجاحات حقّقتها قوى دوليّة صاعدة بفضل سياسات تعليميّة ناجعة مثل سنغافورة الرائدة تربويا . وفي نفس السياق شدّدت الأستاذة سعاد كمون شوك على شروط تكوين الروح العلميّة، منطلقة من الإيبستيمولوجيا الباشلارديّة (غاستون باشلار) ومقاربة “هنري بوانكاريه” لبنية العقل العلمي، ومفاهيم المعارف العقلانيّة والتطبيقيّة المقوّضة للمنطق التلقيني . وتنوّعت مضامين الكتاب فاهتمّ البعض بأنتربولوجيا التعليم والتكوين على غرار الأستاذ يسري الدالي، وتناولت مداخلات أخرى قضايا ايبستيمولوجيّة وسيكولوجيّة تحتّم إعادة النظر في مناهجنا التربويّة، انسجاما
مع مقتضيات علوم المسارات المهنيّة، كما تضمّنت الندوة ورشات علميّة أشرف عليها خبراء من علم النفس وأكاديميين ومفقدين من جنسيات عربيّة وغربيّة مختلفة، ومن منظّمات عالميّة كاليونسكو واليونيسيف وأكاديميّة الشباب العربي- الألماني للعلوم والإنسانيات، إذ أبرز كل المتدخلين حتميّة تجديد أساليب التكوين والتعليم تناغما مع التحوّلات العلميّة وطبيعة السياقات الجديدة لأنّ كل وعي غير مدرك لتأثير السياق هو بالضرورة خارج التاريخ.
وتضمّن كتاب “تكوين الفكر العلمي والبيداغوجيّات التجريبيّة” التوصيات التاليّة:
-ضرورة
مواكبة مؤسّساتنا التعليميّة لجديد المناهج البيداغوجيّة،
-القطع مع الأساليب التعليميّة التلقينيّة من أجل تكوين فكر
علمي قوامه الحس النقدي والقدرة على الخلق،
-توظيف علم المسارات المهنيّة في الاستراتيجيات التربويّة احتراما
لمؤهلات المتعلّم الذهنيّة وميوله النفسيّة،
-حتميّة اعتماد البيداغوجيا التجريبيّة
لأنّها تمكّن المدرّس من استخراج السلوكيات التربويّة المتلائمة مع المتعلّم،
-المراهنة على البيداغوجيا الديناميّة
الضّامنة لآلية التفاعل بين المتعلّمين والمدرّس قطعا مع البيداغوجيا الستاتيكيّة
ذات الأسلوب العمودي،
-لا يجب أن تقتصر عمليّة التجريب على النزعة
الاختباريّة، بل لابد من مقاربة عقلانيّة معتمدة على فرضيات بيداغوجيّة ومقاربات
ايبستيمولوجيّة وسيكولوجيّة،
-تعزيز التعلّم السياقي باعتباره عمليّة
تربويّة تتداخل فيها القواعد النظرية وفرضيّات التجريب،
-التكوين المستمر للمكونين نظرا إلى تجّدد
المناهج البيداغوجيّة على نحو مطّرد، وتعدّد المقاربات مثل التجريبيّة
والديداكتيكيّة والتعلّم عن بعد . . .،
-اعتماد مناهج التعوّد التدريجي على التفكير
الإشكالي والنقدي منذ الطفولة لأنّ الفعل التربوي تراكمي،
-انسجاما مع المنجزات العلميّة التي قطعت مع
اليقين والوثوقيّة لابد من مراجعة المناهج التربويّة التقليديّة المنتجة للوعي
الدّغمائي،
-ضرورة الوعي بأهميّة الأسلوب التربوي
التنسيبي للحقائق باعتباره شرطا ممهّدا لثقافة الاختلاف والتنوّع والتشجيع على
البحوث العلميّة والفضول المعرفي وكافّة أشكال الخلق،
-تعميم مشروع المدرسة الحديثة التجريبيّة
بمدينة شنني ولاية قابس،
-تدعيم مخابر مؤسّسات التعليم بالتجهيزات
والمعدّات الضروريّة،
-تنظيم الملتقى سنويا للتقييم ومواكبة جديد المناهج التربويّة،