هل يجوز اختزال مضامين الفنون في مقاربات مغلقة أم لكلّ مقاربة مشروعيّتها؟ ما علاقة المسرح بالسكيزوفرينيا الاجتماعيّة؟ أين تتجلى مواطن التداخل بين الفنون المسرحيّة والموسيقيّة والسينمائيّة؟ كيف استفاد الفن المسرحي من التقنيات الجديدة؟ أيّ معنى لإضافات الكوميدي خلال عروضه المتتاليّة؟ بمعنى أدق هل يكرّر الممثّل آليا وحرفيا مضامين دوره في نص المسرحيّة؟ أم لكل معيش نفسي بالمعنى الفينومينولوجي رهانات ابداعيّة وطقوس خلق تجعل من النصّ لوحة فنيّة متجدّدة كلّما تغيّر السياق؟
أثيرت كل هذه الإشكالات خلال مائدة مستديرة نظّمها مؤخّرا قسم الفنون بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” حول إحساسيات وتقنيات فنيّة معاصرة: مسرحيّة جنون نموذجا، تلك التي تعدّ من أبرز أعمال الفاضل الجعايبي، الذي يصنّفه البعض ضمن قادة روّاد التجديد، واعتبره رئيس قسم الفنون بالمجمع الأستاذ سمير بشّة خارج التصنيف لأنّه “متفرّد في انتاجه” مثلما ورد في كلمته الافتتاحيّة. ولإبراز جوانب الخلق في مسرحية جنون بشكل خاص والفنون بشكل عام تناولت الباحثة في فلسفة الجمال الدكتورة رشيدة التريكي إشكاليّة اهتمام المسرحيّة بقضيّة السكيزوفرينيا Schizophrénie)) الاجتماعيّة، مشدّدة على قيمة الخلق الفني العابر للقيم والحدود، متقاطعة في ذلك مع مقاربة الناقد السينمائي كمال بن ونّاس التشريحيّة لجسد الفعل الفني بوصفه آليّة تجاوزيّة للنمطيّة. واتّسمت فعاليات الأمسيّة بحوار إشكالي بين صرامة مفاهيم الأكاديمي وفسحة الخيال الفني، ولعلّ هذا ما جسّده السؤال الفينومينولوجي الموغل في العمق الذي طرحه المفكّر عبد المجيد الشرفي حول معيش الممثّل لحظة الركح ومدى تأثيره في النص، فهل الكوميدي مجرّد مكرّر أم لكل زمان ومكان إكراهات وتفاعلات ليتلحّف كل عرض بجلباب يحتّمه مسار الزمان وسر المكان؟ إجابة على هذا السؤال الذي يفترض مائدة مستديرة خاصّة به شدّدت المبدعة جليلة بكّار على أنّ تكرار العروض شهادة على ديناميكيّة النص وفقا لمناخات العرض. واهتمّت مداخلة الأستاذ معز مرابط بمسألة الإبهار في تجربة الجعايبي، منطلقا من العبارة الشهيرة للمؤلّف المسرحي العالمي أوجين يونسكو “المسرح إبهار” وهو ما جسّدته مسرحيّة جنون حسب المقاربة السينوغرافيّة التي قدّمها مرابط من خلال تركيزه على توظيف الفاضل الجعايبي للصورة والموسيقى لبناء سردية مسرحيّة منفردة.