فيديو المحاضرة
هل يمكن اختزال الموسيقى في تعريف ناظم وموحّد؟ ما المقصود بدمقرطة الموسيقى؟ بماذا تهتم الموسيقى الشاملة؟ أين تتجلّى إضافات السيمولوجيا في المجال الموسيقي؟ لماذا تمثّل الموسيقى قاطرة تجرّ وراءها المعارف والعلوم؟ كيف ومتى يكون الموسيقولوجي باحثا متطفّلا؟ هل يجوز الفصل بين الموسيقى والإنسان؟
تلك هي أبرز الإشكالات التي طرحها الباحث في الدراسات الموسيقولوجيّة سمير بشّة في نشاط أكاديميّ نظّمه قسم الفنون بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” يوم الخميس 22 أفريل 2021، وقدّم خلاله رئيس القسم (الأستاذ سمير بشّة) محاضرة حول الموسيقى والمعرفة والحياة، مثيرا قضايا يتداخل فيها الأنطولوجي والموسيقولوجي والإيبستيمولوجي. فالمبحث الموسيقي وفقا للمحاضر إشكالي بطبعه، ودليله في ذلك صعوبة تحديد تعريفات ناظمة وموحّدة لعبارة موسيقى، مشبّها إيّاها بقصديّة الهويّة العصيّة عن الاختزال الدلالي، فقد نعرّفها على أنّها “الصوت المتحرّك” ولكن هل يستوفيها هذا التعريف؟ وتعتبرها بعض المقاربات السيمولوجيّة واسطة لغويّة ويظلّ الإشكال كامنا في مدى وجاهة تنزيلها ضمن النسق التعبيري؟ بمعنى أدق هل يتجلى جوهرها في المضمون اللغوي؟ إنّها باختزال شديد مبهمة، فهي “تعبيرة ميتافيزيقيّة.. كلّما كانت الحياة ممكنة سيعجز الإنسان عن تعريفها” كما ورد في نص المحاضرة، وتتجلى مواطن الأشكلة في حجم مظاهر التداخل بين اهتمام الدراسات الموسيقولوجيّة والأجناس المعرفيّة والعلميّة، “فالموسيقى قاطرة تجرّ وراءها العلوم الإنسانيّة والعلوم الصحيحة” على حدّ عبارة المحاضر، لذلك يكون الموسيقولوجي “باحثا متطفّلا” لأنّه يتحدّث في الفلسفة وهو ليس فيلسوفا، ويتناول قضايا تاريخيّة وهو ليس مؤرّخا، ويتطرّق إلى معضلات عالم الاجتماع وهو ليس سوسيولوجيا، ويطرح إشكالات لسانيّة وهو ليس ألسنيا الخ… إنّه بحاجة إلى كل هذه الاختصاصات للإلمام بموضوع مترامي الأطراف. فالإبداعات الموسيقيّة حاضرة بكثافة في نسيج معيشنا اليومي ألم يعتبرها الفيلسوف الألماني نيتشة صانعة معنى الوجود قائلا ” لولا الموسيقى لكانت الحياة هفوة” وأبرز الأستاذ سمير يشّة هذا البعد الوظيفي للفعل الموسيقي عبر التذكير بعديد الأدوار الحيويّة التي يضطلع بها على غرار المهام العلاجيّة المؤكّدة إكلينيكيا La musicothérapie
وعليه يكون الفصل بين الموسيقى والحياة غير ممكن، فهي إشباع سيكولوجي تمليه الأغوار الدفينة بلغة الفيلسوف شوبنهاور، وهي فسحة تقتطعها الروح المنهكة كي تتنعّم دون فتور متحرّرة من ضغوط ورتابة اليومي، ومن أخصّ خصائصها كما قدّمها الأستاذ بشّة المسار الخطي غير المعني بلعبة العود على البدء لأنّها “محكومة بالسير إلى الأمام” فقد تنتج الطاقات المبدعة ما يشبهها، ولكن لا تعيد إنتاج نفس الأعمال، إنّها مماثلة لنهر هيرقليطس الذي لا نسبح فيه مرتين كما جاء في الحكمة اليونانيّة القديمة. ولعلّ هذا ما يبرّر بروز مقاربات الموسيقا الشاملة، تلك التي يعتبرها البعض الأقدر على تحليل التجارب الموسيقيّة العالميّة وأشكالها المختلفة، كلاسيكيّة كانت أم معاصرة، فهي مبحث “التنوّع الموسيقي” وفقا للمحاضر.
وتتّضح ممّا تقدّم قصديّة دمقرطة الموسيقى بوصفها مبحثا مفتوحا، يمكن أن يقتحمه غير المختص، ويمكن أن يستعيده كل حقل معرفي للحساب الخاص، متأمّلا جنانه الفسيحة والعطرة، ومنتجا عبره نظام فهمه لتجربته الوجوديّة التي غالبا ما تعاش ولا تفهم، وإن فهمت قد لا تقال، وإن قيلت قد لا تستوعب، لذلك يكون النص الموسيقى اللغة الأكثر تعبيريّة حتى وإن كان موغلا في التجريد لأنّ الخطاب الافتراضي المجدي أفضل من الحقائق المميتة.
المواكبة الإعلاميّة