كثّف المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” مؤخّرا من لقاءاته التقديميّة للمؤّلّفات والمنابر الحواريّة المتعلّقة بقضايا الشأن العام وأسئلة الراهن، وفي إطار النقاش حول القضايا الراهنة نظّم قسم الدراسات الإسلاميّة يوم 23 فيفري 2023 منبرا حواريّا حول فلسفة القانون وأسس السلم المدني قدّم خلاله أستاذ الفلسفة رضا الشنوفي محاضرة تناولت إشكاليّة فلسفة القانون من وجهة نظر السلم المدني، افتتحها بتشخيص مواطن الارتباط بين مفهومي “فلسفة القانون” و”فلسفة الحق” في الأنسقة الفلسفيّة المتعاقبة، إذ يمنح بعض النقّاد لقب أبوّة هذه الإشكاليّة للفيلسوف الألماني هيقل، ولا يعترف البعض الآخر من المهتمين بتاريخ الفلسفة والقانون بهذا التصنيف بحجّة الخوض في هذه القضيّة منذ السياقات الفلسفيّة والحقوقيّة القديمة. وأكّد المحاضر على حتميّة التمييز بين المقاربات الكلاسيكيّة لآليات التشريع والأطروحات التحديثيّة التي أنجزت بموجب طابعها العقلاني تحوّلات جذريّة في فهم عوالم السياسة والدين والقوانين لأنّ الفكر العقلاني منتصر بطبعه للذات بماهي محور القضايا الحقوقيّة. وفي هذا الإطار أثار الدكتور عبد المجيد الشرفي الإشكال الجوهري في مسار البناء الديمقراطي، والمتمثّل في عدم قدرة بعض الثقافات على تنزيل “الفرد بما هو صاحب الحقوق” ضمن الأولويّات كما تفعل الثقافات المحصّنة للحقوق الفرديّة. ومثّلت قضيّة خيارات السلم المدني القضيّة المركزيّة في مداخلة المحاضر المنطلق من مقاربة هابرماس حول البينذاتيّة والقوانين التي تستمدّ مشروعيّتها من العقلانيّة التواصليّة باعتبارها تجاوزا للأطروحات الأحاديّة.
بوجيز العبارة تظلّ قضايا السلم والحق والعدل جوهر أي مشروع ديمقراطي شريطة أن يكون الإنسان المنطلق والغاية بمنأى عن الخلفيات التوظيفيّة الآثمة، والشعاراتيّة التسويقيّة.
المواكبة الإعلاميّة
الشعب 02-03-2023
Le Temps 23-02-2023
جريدة المغرب الإلكترونيّة 20-02-2023
الملخّص:
سنحاول في هذه المداخلة تحقيق ثلاثة أهداف. أولاً الوقوف عند عبارة ” فلسفة القانون” من حيث ارتباطها بعبارة “فلسفة الحقّ”، وتاريخ ظهورها إذ أنّه حتى لو كان معظم مؤرخي الفلسفة ينسبون أبوّتها إلى هيجل، فإن البعض لا يتردد في التأكيد على أنها تعود إلى الفلاسفة أو الخطباء القدامى (شيشرون: في القوانين)
الهدف الثاني هو التمييز بين أسس القوانين التي اعتمدها الفلاسفة الكلاسيكيون والفلاسفة الحداثيّون. وهذه مٍسألة في غاية من الأهميّة لأنّها غيرت الفكر البشري جذريًا وهيكليًا من حيث كوكبة المعرفة الشاملة للدّين والتشريع والسياسة. بعبارة أخرى، في العصر الحديث تم اتباع شكل جديد من العقلانية، وبالنسبة لفلسفة القانون، مفهوم جديد للشرعية أي الشرعية التعاقدية القائمة على مفهوم الذات (روسو إلى هيجل).
أمّا الهدف الثالث فله بعدان: بعد تاريخيّ هامّ وبعد بنيويّ وهو الأهمّ، في نظرنا، لأنّه يبرز العلاقة الضرورية بين خيار إرساء السلم المدنيّ ومفهوم معاصر أسّسه يرغن هابرماس وهو البينذاتية. فبعد حربين عالميتين، ظهرت كوكبة جديدة من المعارف، جعلت من الضروري تأصيل مشروعية القوانين على أساس العقلانية التواصلية بين المواطنين. وفي هذا الإطار يقدّم هابرماس ما سمّاه نظرية القانون النّقاشيّة.