افتتح قسم الدراسات الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” سلسلة محاضراته وأيّامه الدراسيّة للموسم الأكاديمي الجديد بمحاضرة، قدّمها مؤخّرا الأكاديمي عبد الجليل سالم حول إشكاليّة الخيال عند ابن عربي (1164م-1240م)، ويتنزّل النشاط وفقا لرئيس القسم الأستاذ احميدة النيفر ضمن مجموعة اللقاءات التي خصّصها القسم على امتداد موسمين أكاديميين لدراسة الظاهرة الروحانيّة، كما أشار في كلمته الافتتاحيّة إلى أنّ القسم سيهتمّ خلال ندواته وفعاليّات أنشطته القادمة بقضايا ورهانات التشريع.
ويعدّ الخيال الشرط المعرفي الأساسي لفهم أطروحات صاحب الفتوحات المكيّة حول عالم الفلسفة والوجود والتصوّف، وفي هذا الإطار تتنزّل مقولته الشهيرة “الذي لا يعرف منزلة الخيال خال من المعرفة” لذلك ركّز المحاضر على “الخيال الخلاّق” بوصفه “مفتاحا لكلّ الحقائق” إن كانت مجرّدة، أو حسيّة، أو أنطولوجيّة، إنّه مطلق، ومتحقّق، ومنفصل، ومتّصل كما فكّك مراتبه الاكاديمي والوزير السابق للشؤون الدينيّة الأستاذ عبد الجليل سالم. بالمعنى الوجيز يمثّل الخيال في فكر محي الدين ابن عربي طاقة خلاّقة تصوّر وتجسّد غير المجسّد لأنّه المصدر الخلاّق للتجلي، وبفضله تتمكّن الذات المنغمسة في تجربة التخيّل من البقاء في وضع اتصاليّ مع المطلق. واتّسمت فعاليات اللقاء بجدل إشكالي حول مفاهيم البرزخ، وواجب الوجود، واللامتناهي، وطبيعة المقاربات الفلسفيّة والكلاميّة والصوفيّة لمفهوم الخيال في نظر ابن عربي، وفي المدارس الفلسفيّة ولدى المتصوّفة وعلماء الكلام عوما، إذ أبرز عديد المتدخلين من مختصين، ومن مهتمين بمدرسة ابن عربي اهتمام الفلسفة والتصوّف والمبحث الكلامي بالمضامين المعرفيّة والميتافيزيقيّة والوجوديّة والنفسيّة للخيال منذ الإرهاصات الفكريّة الأولى.
المحاضرة:
الخيال عند ابن عربي
L’Imaginaire dans l’œuvre d’IBN ARABI
الأستاذ عبد الجليل سالم
يعتبر الخيال عند ابن عربي (تـ 638هـ) مفتاح فهم فلسفته المبددة في تضاعيف كتبه. وهو متدفق سيلا منتجا للصور والمعاني اللامتناهية باسطا حكمه على كل العوالم، متداخلا في كل الحقائق. فهو عالم وسيط، وبرزخ بين عالم المعاني المجردة، وعالم المحسوسات. إنه طاقة وقوة ذات بعد حقيقي واقعي يسعى إلى التجسد في الحس بشكل دائم أبدي أزلي
وهو برزخ-الخيال المطلق/العماء-نظرا الى طبيعته العقلية الكلية-بالمعنى المثالي-فلا يتصف بوجود أو عدم، ولا يصح عليه النفي أو الإثبات. إنه فاصل-برزخ-بين الوجود والعدم وبين العلم والجهل إلى آخر الثنائيات الكلامية والفلسفية وحتى الصوفية، التي ميزت الفكر الميتافيزيقي وطبعته
إن أهمية الخيال، ترجع إلى اعتبار كونه قابلا لكل الصفات المتقابلة وجامعا وموحدا لكل الثنائيات المتعارضة التي أرّقت الفكر الفلسفي والكلامي قبل ابن عربي. فهو من حيث الوظيفة البرزخية يتمكن من الجمع بين الأضداد والمتقابلات
فمفهوم الخيال إبداع أكبري، توسل به لإيجاد فلسفة الصوفية، منتجة للمعنى المتجدد المفتوح على القراءات والمقاربات المتعددة والمتنوعة بامتياز
