الأستاذ مقداد عرفة منسية
من الشهرة بمكان أنّ الفارابي خصّص فصلا من كتابه إحصاء العلوم عالج فيه عِلميْن إسلاميّيْن بامتياز، وهما علم الكلام والفقه، باعتبارهما أداتَــيْن ألحقهما بعلم فلسفيّ عمليّ، وهو العلم المدنيّ.
إذا ما تمعنّا في بقيّة نصوص الفارابي، تفطّنّا إلى أنّه استغلّ بصفة خفيّة علمًا آخر لم يذكره صراحة، وهو علم أصول الفقه. وكان معتمده في ذلك رسالة الشافعي.
ما نعرض إليه في هذه المحاضرة هو بحث الطريقة التي عالج بها هذا المعلّم الثاني النموذج الأوّليّ للتآليف في هذا العلم وسوّغه، حتّى تسنّى له استغلاله فلسفيّا. وندرك بذلك أنّ الفارابي أخذ العلوم الإسلاميّة على محمل الجدّ ودرس أمّهاتها وتعمّق فيها، وأخذ على عاتقه أن يصوغ بانتمائه الفلسفي معطيات التاريخ الخاصّ بأمّته. وهذا من شغل الفيلسوف ومما يميز مقاربته المعرفية والتاريخية.