هل أسهم الطب العربي والإسلامي ببحوث واكتشافات تشرّع الحديث حول مدرسة طبيّة عربيّة-إسلاميّة؟ كيف هيمن الطب العربي على امتداد قرون؟ هل من وجاهة لعبارة الطب العربي؟ ما هي أبرز الأعلام المؤسّسة لهذا المنجز العلمي؟ هل من اختصاصات طبيّة ذات جينات عربيّة وإسلاميّة؟ كيف تفنّن معشر التعصّب والانغلاق والوعي التكفيري في إطفاء شموع التنوير وفوانيس العلم؟ لماذا تحتكر بعض القوى اليوم آليات الاستثمار في العلم؟ هل هي اعتبارات اقتصاديّة أم هي سياسيّة؟ أيّ معنى للفصل بين الاقتصادي والسياسي؟
تناول الأكاديمي رفيق بوخريص هذه الإشكالات في محاضرة، نظّمها مؤخّرا قسم العلوم الرياضيّة والطبيعيّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون”بيت الحكمة” حول الطب العربي والإسلامي : الماضي المجيد . ويعدّ المحاضر من أبرز الباحثين في المجال الطبي والناشطين في عديد المجالس الأكاديميّة العربيّة والعالميّة وفقا لتقديم الدكتورة حبيبة بوحامد الشعبوني رئيسة القسم . فلم يكتف أطباء حضارة الضاد والإسلام حسب الدكتور بوخريص بإسهامات شكليّة وإضافات جزئيّة، بل يعترف المؤرخون الغربيون والمهتمون بمسارات البحوث العلميّة بتجارب تأسيسيّة للطب العربي والإسلامي، على غرار تجربة أبي القاسم الزهراوي(936 – 1013م) الملقّب في الغرب باسم Abulcasis ، فهو من أهم المؤسسين الأوائل لعلم التشريح، وصاحب دراية موسوعاتيّة في قضايا تتصل بالشرايين والنزيف ونظريات علميّة دوّنها على امتداد خمسين سنة في كتاب “التصريف”، وتميّز بالجراحة وعلم التوليد . لقد هيمن الطب العربي حسب المحاضر خاصة في الحقب الكلاسيكيّة إذ قدّم الأستاذ رفيق بوخريص عديد المدارس مثل مصر القديمة التي كانت وجهة لليونانيين بشهادة المؤرّخ Hérodote وكذلك الشأن بالنسبة إلى عديد المدارس المشرقيّة والمغاربيّة ممثّلة في الكنديّة (الكندي) والرشديّة (ابن رشد) والسينويّة (ابن سينا) الخ . . فلا يجوز برأيه تجاهل هذه الجهود على الرغم من حجم عوائق تلك السياقات المتمثّلة أساسا في دغمائيّة الظلاميين المعادين بطبعهم للروح العلميّة والتشريح المخبري . وقد ذكّر في هذا السياق الدكتور بوخريص بأعمال ميليشيات الاستبداد المقاومة للعلماء والفلاسفة والمفكرين . كما اهتمّ في محاضرته بالعوائق الاقتصاديّة للبحوث العلميّة، مقارنا بين مجتمعاتنا والمجتمعات الغربيّة،إذ تناول بعمق كلفة اللامغرب وغياب القوّة الاقتصاديّة باعتبارها حاضنة ضروريّة للاستثمار العلمي، لقد فشل العرب حيث نجح الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكيّة التي تخصّص سنويا 6% من ميزانيتها للبحث العلمي . لنستخلص مما تقدّم لماذا تتقدّم بعض الشعوب وتتخلّف الشعوب الأخرى نظرا إلى غياب الإرادة السياسيّة وتخلّف النسيج الاقتصادي، فضلا عن الجوانب التخريبيّة التي تضطلع بها قوى الرجعيّة، فيتحوّل الماضي المجيد إلى حاضر بائس يستوجب يقظة مطردة لقادة الرأي .