ما المقصود بالصدمة الاقتصاديّة؟ كيف تتلاعب قوى الشعبويّة بمحدودي الوعي؟ هل يجوز اختزال مبرّرات طفرة الشعبويّة في العالم؟ كيف أسهمت شعارات الشعبويّة في تكريس سياسات الانقسام؟ كيف يشيطن رموز الخطاب الشعبوي خصومهم؟ ما مدى نجاعة الخطاب الشعبوي في مجال معارك الاستقطاب؟ عما تعبّر الفرديّة المطلقة؟ كيف تستثمر الأنظمة الشموليّة تقنيات الشعبويّة؟ أليست الشعبويّة بوابة تمرّ عبرها قوافل الشموليّة؟ كيف يستثمر الشعبويون الفئات المفقّرة؟ أين تلتقي الراديكاليّة اليساريّة مع الراديكاليّة اليمينيّة؟ وأيّ معنى لمثل هذه التحالفات؟
اهتمّ قسم العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” بهذه القضايا المترامية الأطراف خلال لقاء فكري واكبه روّاد بيت الحكمة مؤخّرا عبر صفحة المجمع، وقدّم خلاله الخبير الاقتصادي “دانيال كوهن” محاضرة حول أبرز أسباب ونتائج الشعبويّة. وتتنزّل هذه الإشكاليّة ضمن الاهتمامات المركزيّة لبحوث المحاضر ذات العلاقة بالشؤون الاقتصاديّة وفقا للمجمعي الياس الجويني، الذي أشرف على أمسيّة علميّة افتراضيّة حظيت بمواكبة كبرى أغنت الجدل، من مجمعيين مثل رئيسة القسم الأستاذة منيرة شابوتو الرمادي والأساتذة محمود بن رمضان وعياض بن عاشور ومصطفى كمال النابلي وعديد الخبراء والمهتمين بقضايا الشأن العام. فالشعبويّة حسب دانيال كوهن وليدة الخطاب الراديكالي أساسا “إن كان يمينيا أو يساريا”، وتنتعش أكثر كلّما تتفاقم الأزمات لذلك كانت مفردات الكوفيد19 والعولمة، التفاوت الطبقي المجحف، غياب العدالة، إفلاس السياسات التنمويّة، احتكار الثروات، المجتمع الصناعي، نفوذ لوبيات الهيمنة الخ . . حاضرة بكثافة في مضمون المداخلة وتساؤلات وملاحظات الأكاديميين وتعاليق المتابعين. وعليه تكون أسباب “الطفرة الشعبوية” المتناميّة في الراهن الدولي كامنة أساسا في ثلاثيّة قوامها نظم سياسة وبنى اقتصاديّة ونسيج اجتماعي، فالأولى عجزت بيمينها ويسارها “على تقديم سياسات اقتصاديّة “قادر على حماية الفئات المفقّرة، وقوى اقتصادية سائدة يحكمها منطق النجاعة غير العادلة، وحاضنة اجتماعية جاهزة لاستهلاك فاكهة الشعبويين بكلّ نهم. وخاصّة بعض الفئات الكادحة غير المؤهّلة لاستكناه خلفيات ومرامي الخطاب الشعبوي المهووس بالاستقطاب أكثر ممّا هو منشغل بالأطروحات القادرة على حسم الإشكالات المطروحة، لاسيما في ظل الثورة الرقميّة وتكنولوجيات الاتصال الحديثة المعولمة للشعارات الشعبوية. فمن الطبيعي جدّا أن يسود الوعي الاحتجاجي-الثائر على واقع بائس نظرا إلى حجم “الصدمة الاقتصاديّة” وفقا لعبارة المحاضر. ومن البديهي جدّا أن يستعيد كل من يعتريه الضيم الصارخ الشعارات الحقوقيّة لحسابه الخاص، مستثمرا كل الوسائط التعبيرية ليترجم موقفه حسب معجمه الخاص، إنّها الفرديّة المطلقة إن استعرنا عبارة روبرت كاستال بوصفها مظهرا من مظاهر اضطرابات العالم، المتستفيدة من محدوديّة الوعي الذي يراهن عليه صناع الخطاب الشعبوي من الضفتين اليمينيّة واليساريّة، مما يفسّر تحالفات ضد الطبيعة والمنطق، تلك التي تجمع بين حامل القيم التقدميّة المعني باجتثاث أسباب الشعبويّة والماضوي المحكوم بزواله إن زالت.