قد تصنّف التجارب الأدبيّة وفقا لخلفيات فكريّة وجماليّة وإيديولوجيّة على غرار مفهوم الأدب الملتزم، أو التصنيفات التاريخيّة مثل ألقاب الأدب الكلاسيكي والوسيط والحديث الخ… لكن القاسم المشترك بين كافّة الأعمال الأدبيّة يظل مرتبطا بآثارها النفسيّة وأبعادها الجماليّة بوصفها حالات حسيّة ترشح عن الأعمال الإبداعيّة المختلفة.
وفي إطار تفكيك هذه المسالك التعبيريّة ومتاهاتها المفضية إلى تأويلات لا متناهية، نظّم قسم الآداب بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” يوم الخميس 14 نوفمبر 2019 لقاء أدبيا، قدّم خلاله الدكتور حمادي صمود محاضرة بعنوان ” من مسالك التعبير عن الوقْع في كتب أخبار الأدب”.
افتتح الأمسية الأدبيّة الأستاذ محمد صلاح الدين الشريف، مذكّرا بمسيرة المحاضر الثريّة نظرا إلى حجم إسهاماته في حركة الترجمة والبحوث في المجالات اللّغويّة والأدبيّة. وانطلق الأستاذ حمادي صمّود من تعريف لمفهوم الوقْع، الذي يعني برأيه “الأثر الحاصل في النفس عن شعر أو غناء أو لحن”، معدّدا الوظائف التي تضطلع بها كل الفنون في سياقاتها الزمنيّة وأطرها المكانيّة. ومن أبرز هذه الوظائف الأبعاد الجماليّة والسيكولوجيّة، ووضّح في هذا السّياق جماليّة وشاعريّة عديد النصوص الإبداعيّة والشعريّة، التي تتضمّنها كتب أخبار الأدب، فهي مسالك تعبيريّة منتجة لمتاهات تحتاج إلى تأويلات لا متناهية، أي تأويلات ديناميكيّة مفتوحة على معان مترامية الأطراف، قد لا يقولها النظام اللّغوي وإن اعتمدنا الأنسقة الدلاليّة والاستعارة وفنون البلاغة. وعليه تكون التعبيرية الجسدية بما تتضمّن من حركات وأدوات صوتيّة آلية من آليات تخطى القصور اللّغوي وفقا للمحاضر. لنستخلص ممّا تقدّم مدى حاجة الذات إلى فضاءات اللاّمعقول والمتخيّل والافتراضي والحلم كي تتنعّم بلا فتور، وهو ما تؤكّده مدارس العلوم الإنسانيّة المختلفة، فالمسالك التعبيريّة الإبداعيّة “عطلة الروح” كما يقول فيلسوف الفنون Paul Klée، متمرّدا بذلك على المقاربات الأحاديّة والتشييئيّة للكينونة.