كيف يكون التصميم ميتودولوجيا خلاّقة؟ وما مدى مشروعيّة التسليم بمفهوم عقلانيّة عالم الدزاين؟ ما المقصود بالتفكير التصميمي؟ أيّ معنى للتسليم بالابتكار الاجتماعي؟ ما هي تأثيرات عولمة التبادلات والاتصالات؟ وما المقصود بالفضاء المشترك؟ هل من علاقة بين التصميم والتراث؟ لماذا يرتهن التصميم بالدمقرطة الثقافيّة؟ هل من معنى لمقولة الحقل الدلالي لكلّ علم في سياقات إيبستيميّة يحكمها منطق التداخل المرئي والمجهري بين المعارف والعلوم المختلفة؟
جادل روّاد المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” على امتداد يومي 27 و28أفريل 2023 هذه القضايا العلميّة والفكريّة خلال ندوة دوليّة متعدّدة الاختصاصات، نظّمها قسم العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة حول الدزاين Design والعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، وقدّم خلاها عديد الأكاديميين والخبراء أطروحات تشخيصيّة للتصميم باعتباره فعلا إبداعيّا مرتبطا ارتباطا وثيقا بجلّ المعارف والتقنيّات. وانتظمت فعاليّات النشاط بالاشتراك مع المعهد العالي لفنون الملتميديا بمنوبة، والمعهد الفرنسي في تونس، والسفارتين الفرنسيّة والسويسريّة بتونس، وبتنسيق المجمعي محمّد كرو والأستاذة سيماء بشروش، المشدّدين في مداخلتين افتتاحيّتين على أهميّة تنوّع أطروحات المحاضرين نظرا إلى طبيعة الإشكاليّة المطروحة، وديناميّتها وفقا لمستجدّات السياقات، بما تتضمّن من جديد المعارف، وتحولات المجتمعات. فهي ذات علاقة بالأجناس المعرفيّة المتعدّدة، لاسيما مباحث العلوم الإنسانيّة، كما هي متحوّلة لأنّ حركة التاريخ في ديناميكيّة مطّردة. عموما تنوّعت المداخلات مجمعة على هذه الثوابت التي اهتمّت بتفاصيلها المحاضرة الافتتاحيّة للباحث Alessandro Zinna تلك التي أبرزت حجم التداخل بين المقاربات السوسيولوجيّة والأنثروبولوجيّة والمباحث السيكولوجيّة في مجالات الابتكار والتجديد، والخلق الفني.
فمن الطبيعي جدّا أن يملي حجم التقاطع بين الأنظمة المعرفيّة الإقرار بضرورة اعتماد نسق منهجي ذي خصوصيّة من أجل اقتحام غرفة الابتكارات التصميميّة والإقامة داخلها سعيا إلى فهم أبعادها الجماليّة، وخلفياتها الفكريّة، وحاضنتها الاجتماعيّة، وسياقاتها التاريخيّة، ولعلّ هذا ما يختزله مفهوم “التفكير التصميمي” الذي شكّل مادّة دسمة في عديد الجلسات العلميّة على امتداد يومين من قبل أكاديميين، ومبدعين، وباحثين، منحدرين من ثقافات ومجتمعات مختلفة، اختلفوا في لغة التخاطب، وفي علاقة بزوايا النظر المتعلّقة ببعض أبعاد الإشكالية المطروحة، لكنّهم أجمعوا على مفاهيم الدمقرطة الثقافيّة بوصفها قوام إبداعات التصميم، والفضاء المشترك المستوعب للغيريّة، والابتكار الاجتماعي ، وكونيّة التراث على الرغم من طقوس الخصوصيّة، خاصّة في ظلّ عولمة التبادلات والاتصالات التي حوّلتنا إلى وحدة تقيم في الاختلاف، وتنوّع مدمج في الوحدة. وطرحت بعض الجلسات العلميّة عديد التحديات المطروحة على هذا التراث الإنساني والإبداعات الكونيّة مثل القيم المصادرة للدمقرطة الثقافيّة، والعوامل المهدّدة لحماية المنارات التراثيّة على غرار انعدام الموارد الماليّة من أجل الصيانة، وغياب استراتيجيات الحفاظ على ذاكرة الشعوب، وفي هذا الإطار تتنزّل مداخلة المجمعي فوزي محفوظ الذي يختزل تلك التحديات في معضلة الإرادة السياسيّة. وأفضت تلك السجالات إلى استحضار مدرسة فرنكفورت النقديّة الداعية إلى ضرورة مصالحة الذات الإنسانيّة التي لن تتحقّق إلاّ عبر المصالحة مع السؤال الفلسفي المنشغل بالمعنى، ذاك الذي يستوجب مصالحة الفلسفة مع وظيفتها الاجتماعيّة كي تتحرّر الأنا المفكّرة من تشييئيّة الوضعيين الصارمين والتقنيين التضييقيين والمؤدلجين المخدّرين بالقوالب الجاهزة. فلا بدّ من سلطة مضادّة لسلطة الصورة، ولا بدّ من تفكير نقديّ للفكر التصميمي وللتصميم الاجتماعي، ولا بدّ من حفريات نقديّة في بنية كلّ خطاب، بما في ذلك الخطاب النقديّ نفسه، فلكلّ قصديّة رهاناتها، وللحكمة شيطانها الماكر.
المواكبة الإعلاميّة
الشعب عدد 1744 27-04-2023