في إطار أنشطته العلميّة، نظّم قسم العلوم الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” يوم الأربعاء 10 أفريل 2019 بالتنسيق مع الجمعيّة التونسيّة للدّراسات الصوفيّة “صفاء ” ندوة حول إشكاليّة “الذاتي والموضوعي في التجربة الصوفيّة”.
افتتح فعاليّات الندوة الأستاذ عبد المجيد الشرفي رئيس المجمع، مشيرا إلى أن مسألة الذاتي والموضوعي في المجال التصوفي قضية محورية في كل دراسة تتعلّق بالتصوف بشكل عام، كما أكّد على تطوّر هذه الظّاهرة على الرّغم من المقاربات النقديّة لطقوس التصوّف واعتبارها استقالة في علاقة بقضايا الشأن العام. انطلقت جل المداخلات من أسئلة ذات علاقة بقضايا الزهد وبحوث الفقه وبنية الخطاب، فهل يمثّل التصوّف امتدادا طبيعيا للزهد؟ وهل هو أجوبة وردود أفعال على البحوث الفقهيّة؟ وما مدى وجاهة وصف التجربة الصوفيّة؟ إن وصفت هل يكون الوصف مطابقا لكنهها؟ كيف يتقبّل المتلقّي الرسالة؟ ماهي أسس التمثّل الصوفي للنص القرآني؟
لقد تعدّدت عناوين المداخلات لأكاديميين تونسيين ومهتمين بالقضايا الصوفيّة من جنسيات عربيّة وغربيّة وحّدهم البعد الإشكالي للتجربة الصوفيّة بوصفها معيشا متعاليا عن الوصف إن توهمنا قوله خذلته الوسيلة التعبيريّة أوّلا، وآلية الفهم ثانيا، ممّا يفسّر حجم انتقادات، بل إدانة وتكفير عديد التجارب الصوفيّة، ولعل هذا ما تناولته بعض المداخلات على غرار مقاربة الأستاذة صفاء بطي حول جدل الذاتي والموضوعي في الإشارات الإلهيّة لأبي حيّان التوحيدي الذي صنّف وفقا للمحاضرة من أشهر رموز الزندقة إلى جانب الزندقة العلائية (أبو العلاء المعريّ). تلك هي التجربة الصوفيّة الموغلة في التباس طقوسها الذّاتيّة وغالبا ما تتصادم مع المقيم خارج التجربة لتباينات سيكولوجيّة وذهنيّة وعقائديّة وفقهيّة…لذلك اعتبر الباحث المصري خالد محمد عبده كل تجربة صوفيّة مرتهنة بعالم ذاتي “يكاد يكون مغلقا” وإن ارتبط بسياقات تاريخيّة واجتماعيّة، مختلفا في هذا الإطار مع مقاربة الباحث التونسي المختص في علم الاجتماع عادل بلكحلة، المشدّد على أنّ التجربة الصوفيّة مرآة لسيرورة الحركة الاجتماعيّة، بما تتضمّن من قضايا سياسيّة واقتصاديّة وتعابير ثقافيّة سائدة، مركّزا في محاضرته على الحركات الاجتماعيّة التصوفيّة في بلاد المغرب.
بالمعنى الوجيز تظلّ تجربة الصوفي عصيّة عن الوصف لأسباب عديدة، اختزل أهمّها الأستاذ توفيق بن عامر رئيس الجمعيّة التونسية للدراسات الصوفيّة في عدم جدوى نقلها وقصور أدوات الإدراك لدى متقبّلها، لأنّها موغلة في الملامح الذّاتيّة، فهي أحيانا من جنس “ما لا يجوز وصفه” أو من عالم “لا يمكن وصفه” وفقا لقوله. فالمتصوّف كما تناولته بعض المداخلات غير مؤهّل للجمع بين خوض التجربة وترجمتها في آن، فكلّما اتّسعت الرؤية ضاقت العبارة على حدّ عبارة الصوفي محمد النفري، في هذا السّياق تتنزّل الأشكال التعبيريّة المختلفة، من إشارة ورمز وصمت تلك التي حولتها المدارس الألسنيّة إلى قضايا مفتوحة ومتجدّدة على دوام.
لقد واكب روّاد المجمع على امتداد يوم جلسات علميّة ناقشت جدليّة العارف والمعروف ومفارقات التصوّف الطرقي بتونس والمجاهدات الصوفيّة الخلدونيّة (ابن خلدون) وأبعاد المتخيّل في طواسين الحلاّج.