ندوة دوليّة ببيت الحكمة
-حول التراث العالمي-
تهتمّ عديد المنظّمات العالميّة بالتراث الكوني رهانا منها على وظائفه العلميّة والسياحيّة والثقافيّة، لذلك تحيّن منظّمة اليونسكو بانتظام قائمة التراث العالمي، وتحرص الدول والشعوب على التعريف بمواقعها وخصوصياتها التراثية الماديّة وغير الماديّة. وفي هذا الإطار ينظّم المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” سنويا عديد اللّقاءات الفكرية والندوات العلميّة ذات الصلة بالشؤون التراثيّة على غرار ندوة “التراث العالمي، المشاهد الحضريّة التاريخيّة”، التي نظّمها قسم الفنون بالمجمع يومي 21 و22 أكتوبر 2019، وتتضمّن فعاليات الندوة عديد الجلسات العلميّة قدّم خلالها عديد الخبراء والباحثين المختصين الغربيين والعرب والتونسيين مجموعة مداخلات تشخيصيّة للعوامل المهدّدة للمعالم التراثيّة العالميّة، وتتضمّن مقارباتهم التوصيات الضروريّة لتجاوز الإشكالات المطروحة.
أبرزت جلّ المداخلات على امتداد اليومين أهميّة الاتفاقيات والقوانين التي سنّتها منظّمة اليونسكو حماية للتراث العالمي بما في ذلك التراث غير المادي حيث تتضمّن قائمتها للمواقع الأثريّة في حدود 1121، ودعّمتها سنة 2003 بقائمة التراث غير المادي المتمثّلة في منظومة التقاليد والعادات والمهارات. ثم أنشأت سنة 1995 سجل ذاكرة العالم حفاظا على “التراث الوثائقي للشعوب” وفقا لعبارة الباحثة الإيطاليّة Teresa Colletta في مداخلة حول البحوث والمشاريع التي تهدف إلى الحفاظ على المشهد الثقافي التّاريخي المتوسّطي، بما يتضمّن من مشاهد ريفيّة ومدن وقرى صغرى. فالغاية القصوى من تنظيم الندوة تتخطى تشخيص العوامل والآليات المهدّدة للتراث العالمي نحو تقديم التوصيات والمقترحات لحل تلك الإشكالات مثلما ورد في كلمة افتتاحيّة قدّمها الأستاذ عبد المجيد الشرفي رئيس المجمع التونسي “بيت الحكمة”. ومن الطبيعي جدا أن تتميّز الشعوب بخصائص ترتبط بالموروث والسياقات الثقافيّة والواقع الجيوسياسي، لذلك اهتمت بعض المداخلات بهذه القضايا على غرار مقاربة الباحث الفلسطيني “شادي سامي غضبان” في مداخلته بشأن الموروث الثقافي الفلسطيني والاستدامة من أجل إعادة بناء الهويّة الوطنيّة عبر “بناء الوعي الذاتي والتطوير المجتمعي”. فالهوية الفلسطينيّة برأيه مهدّدة بتدمير رموزها الثقافيّة ومشهدها المعماري والعمراني ممّا يحتّم التوثيق والتدوين واستراتيجيا وطنيّة بالتعاون مع المجتمع الدولي حماية للموروث الثقافي الفلسطيني، منسجما في ذلك مع مقاربة الباحث التونسي رياض الحاج سعيد المؤكّد على أن “مدينة سوسة تراث عالمي يعاني” نظرا إلى عمليات البناء المخالف للتراتيب، وهدم منازل تقليديّة ذات طابع معماري مميّز للقرنين 18-19م ، إلى جانب تشويه الواجهات العتيقة والمعالم الأثريّة، فضلا عن تراكم الفضلات والبناءات الفوضويّة، وتركيز الأنشطة التجاريّة ذات الطابع العشوائي. وعليه يقترح المحاضر تهذيب الواجهات والنمط التقليدي واحترام المعالم الأثريّة لأنّها “ذاكرة لكافّة الشعوب” حسب عبارة الباحثة البلجيكيّةPaula Cordeiro .
باختزال شديد أجمعت الجلسات العلميّة المتتالية على ضرورة الوعي بالإشكالات المهدّدة للتراث الثقافي والطبيعي العالمي، وتعزيز الجهود العالميّة من أجل ترويج المواقع التاريخيّة الثقافيّة والطبيعيّة باعتبارها ذاكرة إنسانيّة يتداخل فيها المعرفي والسياحي والسياسي والاقتصادي.
وعليه لابدّ من اعتماد “سياسة تنمية التراث” برأي عضو اللّجنة العلميّة للندوة الأستاذة فائقة البجاوي، التي اختتمت الجلسات العلميّة بمحاضرة حول مدينة تونس المدرجة في قائمة التراث العالمي منذ سنة 1979.