ما هي أبرز العوامل المؤثّرة في مسار نظام العقوبات في القانون الجنائي التونسي؟ ما المقصود بالعقوبات المستحدثة؟ كيف تؤثّر التشريعات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية عموما؟ ما هي أبرز مظاهر تأثيرات المواثيق الدوليّة في القانون الجنائي التونسي؟ هل أنّ النظام السياسي لدولة الاستقلال في تونس قام بتعطيل تطبيق الشريعة؟ أم أنّ التحوّلات التشريعيّة مرتبطة بمواكبة التحولات في السياقات الدوليّة؟
للبحث في هذه القضايا، نظّم قسم الدراسات الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” يوم 21 فيفري 2024 لقاء فكريّا، قدّم خلاله الأكاديمي والباحث في الحضارة الإسلاميّة نجم الدين الهنتاتي محاضرة حول تطوّر نظام العقوبات في القانون الجنائي التونسي الوسيط والحديث والمعاصر. وفي الكلمة الافتتاحيّة أكّد رئيس القسم الأستاذ احميدة النيفر على أنّ اللقاء يتنزّل ضمن سلسلة الأنشطة الأكاديميّة التي تنتظم حول إشكاليّة بالغة الأهميّة تتّعلّق بقضايا ورهانات التشريع. فمن الطبيعيّ جدّا أن تكون ذات أهميّة قصوى لأنّها مؤثّرة في جميع المجالات السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة. وانطلق المحاضر متسائلا حول ما حافظت عليه الممارسة التشريعيّة في تونس من المذهب المالكي، وأهم المصادر في المجال التشريعي في القانون الجنائي التونسي، وتصنيف العقوبات، والعقوبات المستحدثة.
وأكّد الأستاذ الهنتاتي على ديناميكيّة الفعل التشريعي انسجاما مع طبيعة التحوّلات العالميّة لأنّه لم يكتف بمصادره الفقهيّة، بل تأثّر بالتشريع الفرنسي، بمعنى “تقلّص دور الفقه الإسلامي” وحلّت مصادر جديدة للمشرعين تتمثّل في المدرسة القانونيّة الفرنسيّة، كما تأثّر المناخ التشريعي بظهور مدارس فكريّة مثل المدرسة الوضعيّة التي أملت إعادة النظر في مفاهيم الجريمة والعقاب ومكافحة الإجرام، إذ يعتبر المنهج الوضعي المجرم ” غير مخيّر في أفعاله” ومن الطبيعي جدّا أن تقود هذه الأطروحة إلى فهم جديد للممارسة التشريعيّة.
وأكّدت مضامين اللقاء على أنّ الفعل التشريعي عموما يتخطّى السياق المحلي نظرا إلى ارتباطه العضوي بالمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدوليّة، خاصّة في ظلّ إمضاء تونس على بعض الاتفاقيات مثل وثائق مناهضة التعذيب واحترام الحريات، تلك التي أفضت إلى التخلي على عديد الأنماط من العقوبات، وفي هذا الإطار تتنزّل العقوبات المستحدثة.
كما تناولت فعاليات اللقاء مفهوم أنسنة العقوبة من أجل القطع مع العقوبات السالبة للحريات، لكن تظلّ مسألة الأنسنة قضيّة مفتوحة نظرا إلى التداخل بين القوى المشرّعة والفاعلين سياسيا، ودينيا، وإيديولوجيا، واقتصاديا، وإعلاميّا، ومؤسّساتيّا.
الملخّص
المواكبة الاعلامية
جريدة الشعب 22-02-2024
Le Temps 18-02-2024