يوم دراسي ببيت الحكمة حول علم الكلام
اهتمّ قسم الدراسات الإسلاميّة بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” بعلم الكلام في السنوات الأخيرة اهتماما استثنائيا، إذ نظّم مجموعة ندوات وعديد الأيام الدراسيّة وسلسلة محاضرات، قدّم خلالها أكاديميون تونسيون، وباحثون من جنسيات عربيّة وغربيّة جديد دراساتهم ومقارباتهم وحفرياتهم المعرفيّة ذات الصلة بالقضايا الكلاميّة القديمة والجديدة . وتميّزت كل هذه الأنشطة الفكريّة بنقاشات موغلة في التساؤل الإشكالي المفتوح نظرا إلى طبيعة المباحث الكلاميّة المتسمة دوما بالغموض والتعقيد والأجوبة المنتجة بطبعها لأسئلة جديدة، على غرار مداخلات اليوم الدراسي الذي نظّمه القسم يوم 27 نوفمبر حول علم الكلام القديم والجديد في علاقته بالمعرفة التاريخيّة وبالواقع الإسلامي، حيث أثارت هذه المداخلات أسئلة تتعلّق بالسياقات المعرفيّة للمبحث الكلامي، مثل علاقة الفلسفة بعلم الكلام، هل هي تكامليّة أم هي مبنيةّ على التناقض؟ وهل يجوز اعتبار كل قضيّة كلاميّة إشكاليّة فلسفيّة بالضرورة؟ وما هي طبيعة القطيعة بين علم الكلام القديم والكلام الجديد؟ أيّ مستقبل للكلام الجديد؟ وما هي المقاربات الكلاميّة الجديدة؟
ترأس الجلسة العلميّة الأولى رئيس القسم الأستاذ احميدة النيفر، مؤكّدا أهمية تجديد الدراسات والبحوث الكلاميّة انسجاما مع تاريخيّة الفعل المعرفي، تلك التي تملي تحولات في بنية المواضيع والمناهج . وفي هذا السياق قدّم الأستاذ أبو يعرب المرزوقي مداخلة اهتمّت بأبرز خصائص القطيعة بين المباحث الكلاميّة القديمة والكلام الجديد، مبيّنا البعد الفلسفي لكل مبحث كلامي، ممّا يفسّر حجم الجدل الذي تطرحه هذه الوشائج، فهل ينسجم فعلا كل موقف كلامي مع بنية التفكير الفلسفي بوصفه فكرا مضادا لمقولات المطلق والقطعيّة وأشكال التسليم؟ لذلك ناقش المهتمون باليوم الدراسي قضايا الاستدلال الكلامي، والعقلانيّة الكلاميّة، ومدى موت علم الكلام القديم وفقا للمقاربة الخلدونيّة . واهتمّت الجلسة العلميّة الثانية برئاسة الأستاذ مقداد عرفة منسية بأسس وأفق الكلام الجديد، خاصة في علاقة بالمناهج الجديدة التي أملتها الثورات المعرفيّة، والتحوّلات السوسيو-ثقافيّة والبنى الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، وظهور المقاربات الجديدة، التي أفضت حسب الأستاذة إيمان المخينيني إلى مفاهيم التشابك المعرفي، وجدلية الاستيعاب والتجاوز، والبيتخصصيّة (تعدّد الاختصاصات). . تلك التي فرضت على المبحث الكلامي الجديد الانفتاح على المناهج والنظم الإيبستيميّة الحديثة، وعليه يكون المبحث الكلامي مشروعا مفتوحا ومتعدّدا بتعدّد وجوه الحقيقة ذات العلاقة الواعية وغير الواعية بخلفيات وانتماءات الناطق بها .