المُعْلِم بفوائد مُسْلم، لأبي عبد الله المازري
أبو عبد الله المازري، المُعْلِم بفوائد مُسْلِم، تحقيق الشّيخ محمّد الشّاذلي النّيفر، المجمع التّونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة – قرطاج/ دار سحنون للنّشر والتّوزيع -تونس 2021، ط 2، 3 ج، 1532 ص، الثّمن 110 د.ت.
في طبعة جديدة وفاخرة، صدر عن المجمع التّونسي للعلوم والآداب والفنون- بيت الحكمة، بالتّعاون مع دار سحنون، كتابُ المُعْلِم بفوائد مُسلم، للإمام أبي عبد الله المازري (ت. 536/1141).
أهمّية هذا الكتاب تتأتّى من شهرة مؤلّفه، الّذي اعتَرف له القدماء بالإمامة، بل إنّ ابن دقيق العيد اعترف له بالاجتهاد، بما أنّه لم يكن مجرّد فقيهٍ مالكي مقلّد. فقد كان المازري متكلّما مدافعا عن المذهب الأشعري، مع اعتدال في الموقف من المعتزلة، وكان أيضا أصوليا متضلّعا. ويبرز تضلّعه من خلال عودته إلى أحد أصول الفقه الأساسية، نعني الحديث النّبوي، واستنباط الأحكام الشّرعية بصفة مباشرة، دون وساطة الإمام مالك. وهو أمر كان مهّد له شيخُه أبو الحسن اللخمي، الّذي رُمي بهتك مذهب مالك.
ويظهر هذا المنحى الاجتهادي لدى المازري أساسا من خلال كتابه المُعلم الّذي يُعدُّ شرحا لأحد كتب الحديث الأكثر اعتبارا عند المغاربة، نعني صحيح مُسلم. ويُعتبر المازري رائدا في شرح هذا الكتاب، وترتبط هذه الرّيادة بطريقة الشّرح، فهي لم تقتصر على الشّرح الشّكلي القائم على تفسير الألفاظ الغريبة، أو معالجة الأسانيد، بل إنّها تعتمد على استخراج “المعاني السّامية” في الحديث، واستنباط الأحكام الشّرعية.
يتكوّن هذا الكتاب من قسمين: قسم الدّراسة، وقسم النّصّ المحقّق. يغطّي القسم الأوّل 256 ص، افتتحه المحقّق بنبذة تاريخية حول العصر الزّيري الّذي عاش فيه المازري، ثم عرّف بهذا الإمام وبمؤلّفاته الّتي ناهزت 11 عنوانا، وبتلاميذه الكثيرين، سواء منهم المحلّيين، أو الوافدين على إفريقية، أو بالإجازة عن بُعْد، مثل القاضي عياض وابن رشد الحفيد. ثمّ تناول المحقّقُ بالدّرس صحيحَ مسلم، فكتابَ المُعْلم، وخصائصه، مع تأكيد على طريقة تأليفه الّتي قامت على الإملاء على بعض التّلاميذ. وقد تمّت عملية الإملاء سنة 499/1105، ثمّ نظر فيه الإمام وهذّبه، ليستوي كتابا، وصلتنا منه على الأقلّ 4 نسخ، وهي نسخة تونس، ونسخة الرّباط، ونسخة مصر، ونسخة المدينة. وتُعدُّ هذه الأخيرة الأقدم، وأصلها من تونس، وهي الّتي اعتمدها المحقّق بصفة النّسخة الأمّ.
وانطلاقا من ص 259، يبدأ تحقيق النّصّ، حيث تمّ ترقيم الأحاديث، وكتابتها بخطّ غليظ حتّى يقع تمييزها من الشّروح، مع الحرص على مقارنة ما ورد في النّسخة الأمّ بما ورد في النّسخ الأخرى، وتقديم بعض التّعليقات المفيدة في الهوامش الّتي تميّزت بشدّة إيجازها حتّى لا تُرهق القارئ.
يبدأ الجزء الأوّل، من النّصّ المحقّق، بعد مقدّمة صغيرة، بكتاب الإِيمان لينتهي بكتاب الجّنائز. ويبدأ الجزء الثّاني بكتاب الزّكاة إلى آخر كتاب اللقطة. أمّا الجزء الثّالث، فهو يبدأ بكتاب الجّهاد إلى كتاب التّفسير.
ختم المحقّق كلّ جزء من الكتاب بجملة من الفهارس العلمية المفيدة الّتي تُسهّل للقارئ العودة إلى ما يحتاجه من الكتاب بسرعة. ففي هذا التّحقيق تتوفّر عموما المواصفات العلمية المطلوبة، لاسيما أنّ الشّيخ النّيفر له تجربة في ذلك، إذ كان حقّق قطعة من موطّأ الإمام مالك، برواية علي بن زياد التّونسي (تونس 1978).
يُعتبر المُعْلم من أفضل ما أنتجه الفكر التّونسي، فهو يؤسّس للجّنوح إلى نبذ التّقليد والتّطرّف، والطّموح إلى الاجتهاد والتّجديد، وهو المنحى الّذي سيدعمه ابن خلدون الّذي اعتنى بهذا الكتاب في مقدّمته. وهو أيضا المنحى الّذي تتطلّبه المرحلة الرّاهنة الّتي تمرّ بها البلاد. ساهم كلّ هذا في تفسير عناية بيت الحكمة بهذا الكتاب ونشره.
د. نجم الدّين الهنتاتي،
قسم العلوم والدّراسات الإسلامية – بيت الحكمة -قرطاج.
المواكبة الإعلاميّة