يمثّل أبو زكريّاء الحفصي مؤسّس الدولة الحفصيّة في القرن الثالث عشر الميلادي منطلقا لمضامين مسرحيّة تونس يا أمّ الدنيا الداعية إلى رفض كل أشكال محو آثار السابقين، والمؤمنة بحتميّة الابتكار والتجديد من أجل تأسيس دولة العدل والانصاف، المشروطة حسب هذا العمل المسرحي بقيم العمل والحريّة واحترام القوانين. ويدعو المؤلّف في مسرحيته إلى قيم كونيّة لأنّ بناء الدولة العادلة في نظره يشترط الوعي بأهميّة مفاهيم الأمن والسلام والتآزر “بين الإنسان والإنسان”، رفضا للانتمائيّة الضيّقة، ولن تتحقّق هذه المدينة العادلة والمنصفة وفقا للمؤلّف في ظلّ غياب وعي علميّ وحسّ إبداعي، إذ لا توقد المصابيح إلاّ بشموع العلوم والمعارف التي عبرها تتحوّل عتمة الليل إلى نور وهّاج.
هل يمكن للحريّة أن تكون مطلقة؟ أيّ معنى لمقولة كل شيء مباح؟ هل يمكن اختزال الحدود في القوانين؟ ما هي القواسم المشتركة بين الديني والقانون الوضعي؟ ما هي انعكاسات غياب الإيتيقا؟ ما مدى نجاعة الحلول العلاجيّة للسيكولوجيات الرافضة للحدود؟ يطرح هذا المؤلّف الجماعي تلك الإشكالات، منتهيا إلى معادلة مفادها قد يكون كل شيء مسموح به، ولكن ليس كل شيء مفيد لأنّ البناء السليم للنسيج الاجتماعي يشترط جملة من الحدود، التي لا تتنزّل ضمن قمع الحريات وإنّما هي إيتيقا ناظمة وضابطة لسيكولوجيا الفرد كي ينتظم وفقا للإرادة العامة. لذلك يبرز خبراء العلوم الإنسانية وخاصة علم النفس أهميّة الأخلاقيات الناظمة من أجل احتواء الفرد وإلزامه بالتدابير الاجتماعيّة الموغلة في القدم، إن كانت دينيّة مثل الحد الإلهي الأوّل، أو وضعيّة فعبارات الاحترام، الطاعة، والامتثال لا تعني بالضرورة القيود السالبة للحريّة، وبذلك يكون المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” قد وفّر عبر كتاب الحدود مرجعيّة علميّة للمهتمين بمجالات الحريات والأساليب العلاجيّة والحفريات المعرفيّة في سيكولوجيات الأفراد والشعوب.