هل يجوز اختزال الديمقراطيّة في تعريف أحاديّ؟ أم هنالك ديمقراطيات؟ أيّ تأثير للوبيات الهيمنة في المسارات الديمقراطية؟ ما هي الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها قوى المجتمع المدني لتحصين قلاع الديمقراطيّة؟ ما المقصود بالديمقراطيّة التشاركيّة؟ ما هي الديمقراطيّة غير الليبيراليّة؟
افتتح رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” الأستاذ عبد المجيد الشرفي بهذه الأسئلة فعاليات ندوة نظّمها قسم الآداب بالمجمع يوم الثلاثاء 30 مارس 2021 بالتعاون مع كرسي سيسيليا لحوار الثقافات والحضارات عنوانها: المجتمع المدني والديمقراطيّة في بلدان جنوب المتوسّط: أيّ تضامن في زمن الأزمات؟ طارحا عديد الإشكالات المتصلة بدور المنظمات في تجذير الدمقرطة بوصفها خلفيّة فكرية ووعيا قبل أن تكون سلوكا، أي منظومة مفاهيم ترتهن بسياق موضوعي ذي خصوصيات، فالبحر المتوسّط له شماله وجنوبه ولكل ضفّة واقعها ومنطقها. وركّزت الأستاذة رجاء ياسين بحري رئيسة قسم الآداب ببيت الحكمة في تقديمها للجلسات العلميّة التي شارك فيها خبراء وديبلوماسيون تونسيون وأوروبيون على دور المجتمع المدني التونسي في إرساء الدستور، مبرزة مكانته كميّا ونوعيّا، إذ أشارت إلى أنّه يحتوي على مئات المنظّمات الناشطة في سياقات داعمة للمسار الديمقراطي، وخاصّة منظّمات الرباعي الراعي للحوار خلال الأزمة السياسيّة ما بعد ثورة 2011، أي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين بتونس. وأجمعت جل المداخلات العلميّة على امتداد يوم على الوظيفة المحوريّة التي تضطلع بها مكوّنات المجتمع المدني في تجربة الدمقرطة بوصفها مسارا مفتوحا، ومن بين هذه المكوّنات الحركة النسويّة التي انطلقت منها الباحثة في السوسيولوجيا والناشطة في المجال الحقوقي النسوي نبيهة حمزة المشدّدة على أجيال نضاليّة “ولدت في نادي الطاهر الحداد”. كما تطرّقت جل المداخلات إلى مفهوم المراكمة النضاليّة في مجال مقاومة الاستبداد باعتباره ظاهرة تستوجب المقاومة المستمرّة لأنّه تركيبة نفسيّة وذهنيّة وسلوكيّة ترتهن بدوافع يتداخل فيها الاقتصادي والثقافي والتربوي والسياسي الخ . . فالديمقراطيّة ليست هبة بل عمليّة بنائيّة تتمّ تدريجيّا وبصعوبة وفقا لمقاربة Alfonso Campisi رئيس كرسي سيسيليا لحوار الثقافات والحضارات. واهتمّ السفير الإسباني بتونس Guillermo Ardizone Garcia في مداخلته بسلسلة النضالات التي خاضها المجتمع المدني الإسباني ضد الإرث الاستبدادي الذي مثّلته منظومة حكم فرانكو أساسا. ولم تقتصر فعاليات المائدة المستديرة على المسائل الحقوقية ذات الطابع السياسي المحض، إذ ناقشت إشكاليّة الحريات الاقتصاديّة خاصّة في مداخلة السفير الإيطالي Lorenzo Fanara المؤكّد على استحالة حماية المسار الديمقراطي دون تحرير النسيج الاقتصادي. ولكن هل الحريات الاقتصاديّة مطلقة؟ هل نجاعة الدورة الاقتصادية أولوية قصوى وغير مشروطة بضوابط؟ هل ليبيرالية السوق هي الحريّة؟ وهل ان كل منظّمات المجتمع المدني بمنأى عن أشكال الأدلجة وصيغ التوظيف؟ هل القوى المموّلة والداعمة تعمل وفقا للشعار الفلسفي الكانطي Kant “الخير من أجل الخير” وبالتالي يكون الحق من أجل الحق ، تلك هي الأسئلة مفتوحة على دوام، ولا يرفضها إلاّ المستبد المتلحّف بجلباب الحقوقي.