قد يختزل البعض ترميم المعالم التراثيّة في أبعاد تقنيّة صرفة، لذلك تغدو برأيهم أشكال الصيانة والأفعال الترميميّة انتهاكا للتراث والتاريخ خاصة لدى الوعي الستاتيكي والماضويين، في حين أن المسألة مشروطة بأسس نظريّة وعلميّة ضامنة للحفاظ على ذاكرة الشعوب وتاريخ الحضارات، وفي هذا الإطار تتنزّل محاضرة “نحو تنظير التدخل في مجال التراث” للأستاذ والباحث في الهندسة المعماريّة فاخر خراط، والتي نظّمها قسم الفنون بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” يوم الجمعة 12 أفريل 2019. لقد دحض المحاضر تهافت بعض المقاربات المشكّكة في التعايش بين آليات الترميم والمحافظة على المعالم التراثيّة بما تتضمّن من مضامين وخصوصيات وأبعاد جماليّة، مدعّما أطروحته بكتابات وبحوث عالميّة تشخّص الأسس العلميّة والمسلمات النظريّة المحدّدة للترميم باعتباره حقلا نظريا محصّنا قلاع حقائق وجماليات التراث كي تنعم بها أجيال المستقبل، ومن بين هذه الأعمال كتاب نظريّة الترميم للكاتب الإيطالي المختص في تاريخ الفنون والمهتم بإشكالات الترميم والصيانة “براندي سيزار”، المشدّد حسب المحاضر على أن عمليّة الترميم مشروطة بعمل منهجيّ يراعي البنية الماديّة للأعمال الفنيّة وأبعادها الجماليّة والتاريخيّة . لذلك تكون “عملية الترميم منهجا وليست ممارسة تقنيّة صرفة” على حد عبارة الباحث فاخر خراط، للتأكيد على أهمية تنظير التدخل في مجال التراث، بل ذهب إلى ما هو أقصى حيث ذكّر بمواثيق عالميّة قد اهتمّت بهذه المسألة مثل ميثاق أثينا لترميم المعالم التاريخيّة الذي انعقد سنة 1931 تحت رعاية أمميّة، وهو أول محاولة بشأن حماية تلك المعالم وفقا لضوابط وأسس دوليّة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى ميثاق فينيسيا سنة1964 الذي أصدر نصوصا تقنّن الحفاظ على المواقع الأثريّة والتاريخيّة، تلك التي أضحت منطلقات ضروريّة للترميم والصيانة، إلى جانب الندوات والملتقيات الدولية . وتخضع عمليات الترميم بتونس منذ حقبة الاستعمار إلى تشريعات مثل النص التشريعي 1886 ورقابة مؤسسات، لكن يظل الإشكال مرتبطا بقضايا تفعيل النصوص ومواكبتها لتلك المسارات التنظيريّة وجديد التكنولوجيات الحديثة، وقد مثّلت هذه المسائل مادة دسمة لنقاشات رواد مجمع بيت الحكمة.