ما التنوير؟ بماذا تتسم الحركة التنويريّة الألمانيّة؟ لماذا اهتم أدب الرحلة بالمجتمع المغاربي؟ كيف اعتنت المنشورات والصحف الجرمانية بشمال إفريقيا وهل من تأثير لتلك الاهتمامات في بحوث ودراسات المؤرخين؟ ما طبيعة تقييمات روّاد البعثات العلميّة لدول المغرب العربي؟ هل يمكن اعتبار روايات الأسرى مادة تقييميّة للنظم السياسية والطقوس الدينيّة والأخلاقيّة وخصوصيات معيش الإنسان المغاربي؟ ما المقصود بالشعوب شبه المستنيرة؟ أيّة وجاهة لاتهام الشعوب المغاربيّة بالقرصنة؟
إجابة عن هذه الإشكالات وفروعها، قدّم الأكاديمي المختص في اللغة والآداب الألمانيّة منير الفندري محاضرة، نظمها مؤخّرا قسم الآداب بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” حول المغرب العربي في نظر وتقييم الحركة التنويريّة الألمانيّة، حيث تناول صاحب عديد الدراسات المهتمة بالفكر والآداب الألمانيّة مصادر وانعكاسات هذه الحركة . ولن يختلف التنوير الألماني في مستوى المبادئ الكبرى على أية حركة تنويريّة نظرا إلى ثوابت الأنوار، المتمثّلة أساسا في قيم العقلنة والمنطق والذات المفكّرة خارج سياج الوصاية، لكن للأنوار الألمانية خصوصيات تمثّلها سياقات المشروع الحضاري الجرماني وتجارب إبداعيّة، ومدارس فلسفيّة اهتمّت تحديدا بفلسفة العقل التنويري على غرار كانط، ومناهج فكريّة مقاومة لمركزيّة وانغلاق بعض الثقافات تأسيسا لمنطق التثاقف والمواطنة الكونيّة مع الفيلسوفين هيقل وكانط . وقد استفادت تلك الحركة وفقا للمحاضرة من رسائل بعثات علميّة وشهادات لبعض الأسرى وأدب الرحلة، لذلك اهتمّت الصحف والمجلات بشعوب المغرب العربي، بل نشرت بعض الكتب حول البرابرة والخصائص السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة المغاربيّة . وقد ذكّر الأستاذ منير الفندري في هذا السياق بمضامين كتاب “بعض الرسائل الأدبيّة حول القرصنة لدى البرابرة” للباحث Friedrich Wilhem Wittich ، وكذلك كتابات المؤرخ Dietrich Daniel Hegewisch، فلم تكتف هذه الكتابات والمقالات وشهادات البعثات العلميّة وبعض الأسرى بسرد مظاهر عنف القبائل البربريّة والاستبداد السياسي، ونماذج التخلّف في أبعاده الاجتماعيّة والاقتصاديّة والطقوسيّة، بل تناولت المعاناة وأشكال التسلّط التي مارستها القوى المجاورة والحركات الاستعماريّة مثل تلك التي مارسها قادة وملوك أوروبيين، وفي هذا الإطار ذكّر المحاضر بما كتبه المؤرّخ Hegewish(1740-1812) حول “السياسات غير المتسامحة لبعض ملوك إسبانيا”، المتعسّفة على دول المغرب العربي . كما عرّفت كتابات صحفيّة ورسائل الزائرين بمعالم تراثيّة وجماليّة مميّزة للجغرافيا المغاربيّة، ممّا يؤكّد حجم انشغال التنوير الألماني بهذه الضفّة المتوسطيّة .