هل يتوجّه الأدب الفرنكفوني إلى نخبة ضيّقة؟ ألا يتنزّل هذا الأدب ضمن الإبداعات المتصلة بمعيشنا؟ ما مدى عالميّة الأعمال الأدبيّة التونسيّة الصادرة باللّغة الفرنسيّة؟ هل تتناول هذه التجربة الأدبيّة قضايا خصوصيّة أم هي مهتمّة بالإشكالات العامة؟ أيّ مستقبل للّغة الفرنسيّة إن كانت بعض الندوات العلميّة التي تنتظم في فرنسا نفسها تتمّ باللّغة الإنجليزية؟ ماهي دلالات الاستخدام المزدوج الذي يجمع بين العربيّة والفرنسيّة في الخطاب الإعلامي الراهن؟بهذه الأسئلة الإشكاليّة افتتح الدكتور عبد المجيد الشرفي رئيس المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون “بيت الحكمة” ندوة نظّمها قسم الآداب بالمجمع يومي 10- 11 ديسمبر 2020 حول إشكاليّة الأدب الفرنكوفوني في تونس: التطوّر، التجدّد والمصير.وأكّدت الأستاذة رجاء ياسين بحري رئيسة القسم على أنّ هذه التظاهرة تتنزّل ضمن أنشطة قسم الآداب بوصفه متعدّد التخصّصات ، إذ يهتمّ بالآداب العربيّة والفرنسيّة والإنجليزية والألمانيّة والاسبانيّة، وتبرز فعاليات الندوة في رأيها مكانة اللّغة الفرنسيّة في المشروع الثقافي التونسي، إذ تعدّ منذ الاستقلال اللّغة الرسميّة الثانية، وذات أهميّة كبرى لدى النخبة على نحو خصوصي نظرا إلى طبيعة الروابط بين فرنسا وتونس، التي تتجاوز المعطى الجغرافي نحو ما هو اقتصادي وثقافي وسياسي. فالأعمال الأدبيّة تتخطى الأبعاد الجماليّة والإشكالات الذاتيّة لأنّها مترجمة لخلفيات وخيارات فكريّة وسياسيّة، وهذا ما أكّدته منسّقة الندوة الأستاذة علياء بكّار برناز، منطلقة من النموذج التربوي-البيداغوجي الذي راهن عليه الرئيس الحبيب بورقيبة الذي أسهم في إنتاج نخب أدبيّة متمكّنة من المشروع الأدبي الفرنكوفوني، كما أكّد في نفس السياق الأستاذ عصام معشاوي الطابع النضالي للتجربة الأدبيّة الفرنكوفونيّة في تونس وتحديدا بعض الأعمال التي آلت على نفسها فضح بعض المجازر التي ارتكبها الاستعمار، رافضا مفهوم اختزال الفعل الأدبي الفرنكوفوني في الاطلاع على تجارب الآخرين بل هو رسالة موجّهة عبر لغتهم وضامنة للممارسة الاتصاليّة الناجعة، تلك هي الكتابة بلغة الآخر كما ورد في مداخلة الأستاذ مختار سحنون. ولا تتنزّل الكتابة بلغة الآخرين ضمن الرصيد المعرفي اللغوي بل هي نزعة وجوديّة ينحت عبرها المبدع كينونته بماهي هويّة إنسانيّة متعدّدة الثقافات، وفي هذا السياق من طرح القضية تتنزّل أغلب مداخلات الندوة، وخاصّة مداخلات الجلستين الثالثة والرابعة المؤكّدة على أنّ الكتابات الواردة بلغة الآخرين ليست مجرّد “لغة خشبيّة أو مهام شرفيّة”، وإنّما هي ممارسات إبداعيّة عابرة للحدود ومتعالية عن التصنيفات الانتمائيّة. ولم تقتصر هذه المقاربات على جوانب المضامين المميّزة للنصوص الأدبيّة الفرنكوفونية في تونس، إذ اهتمّ بعض الأكاديميين بالخصوصيات الفنيّة مثل الأستاذة عفيفة مرزوقي في مداخلة حول التجربة الشعريّة لدى عبدالعزيز قاسم، وكذلك الشأن بالنسبة إلى مداخلة الأستاذ كمال قحة حول التجربة الإستيتيقيّة في روايات أنور عطيّة. لنستنتج ممّا تقدّم طبيعة الإضافات التي أثرى بها الأدب الفرنكوفوني التونسي التراث الفرنكوفوني العالمي، وسينشر المجمع التونسي “بيت الحكمة” فعاليات الندوة في سلسلة منشوراته كما اعتاد روّاده.